مزرعة

النظرة القاصرة والمزرعة

اليوم استيقظت مبكرًا جدًا، لأنني نمت في وقت مناسب، ولكن المضحك في الأمر هو اعتقادي قبل أن أنام بأنني سأظل نائمًا 10 أو 12 ساعة وهذا لم يحدث، أثناء تأملي اليومي وبعد الانتهاء منه، تذكرت أيام الذهاب اليومي إلى مزرعتنا في أوقات مواسم الحصاد أو تنظيف المزرعة من الحشائش وغيره، ومرّ أمام عيني وقتًا كنت امقته بشدة حتى وقتٍ قريب، واعترف الآن بأنني كنت مخطئ في حكمي ونظرتي القاصرة على هذا الموضوع، تدوينة اليوم عن النظرة القاصرة.

مثل جميع المراهقين واليافعين أريد أن أنام واستيقظ كما أحب وفي الوقت الذي يعجبني، وإن لم يحدث ذلك كنت اتذمّر على الحياة الدنيا وما فيها وبكل تأكيد على والدي صاحب ومحدّد أوقات نومي والاستيقاظ في (مراحل عمرية) معينة.

في هذه المرحلة العمرية المبكرة المليئة بالنشاط والطاقات الكبيرة، يكون الإنسان منا نظرته للحياة وردية جدًا، لا تكاد تخلوا من الأحلام البريئة الكبيرة والصغيرة منها والتي نعتقد أنها ستحقّق (بفرك مصباح علاء الدين) حتى تأتي صدمات ما بعض المراهقة وبأنّ واقع الحياة مرّ وتتطلّب منّا تقديم تنازلات وتضحيات عديدة لتحقيق بعض أهدافنا (أحلامنا) فيها.

عودة إلى المزرعة، كنت استيقظ في هذا الوقت 4 فجرًا اتناول الافطار على عجالة من أمري واذهب في طريقي إلى المزرعة، ظنًا مني أنني أول من استيقظ في هذا العالم، وفي كل مرة في الطريق اشعر بالصدمة لأنني أشاهد (إناثًا وذكور) من الكبار والمراهقين واليافعين أيضًا سبقوني في طريقهم إلى مزارعهم، وما كان يهوّن علي هذه الصدمات، تباد الصباحات بيني وبينهم بكلمات وجمل رائعة مليئة بالتفاؤل والحماس والأدعية اللطيفة من كبار السنّ.

اتذكّر جيدًا في هذه المرحلة كيف كنت محبطًا من هذا النظام اللعين، ولما الدنيا والعالم ظالمين لي لهذا الحدّ، وما كل هذه القسوة من والدي، أليس مطالب من والدي أن يمدنا بالدلال في هذه المرحلة؟ وهل سينتهي العالم إن لم اذهب للمزرعة؟ أو تأخرت في تنظيف الأرض من الحشائش مثلًا، عشرات ومئات من الأسئلة وجلد الذات كانت تحاصرني.

أدركت متأخر جدًا نتائج ما سبق، ادراك الأمور حتى إن كنت متأخرة خيرًا من أن يعيش الإنسان طوال حياته في وهم وزيف ، فقد تعلمّت من المزرعة (تحمّل المسؤولية) في عمر صغير، (القيادة) من خلال توجيه عشرات من الفلاحين في مواسم الحصاد والزارع لإتمام المهام على أتم وأكمل وجه وحل أي مشاكل قد تحدث، عرفت بأن الحياة قاسية في عمر صغير وهذا جعلني اترك الأحلام الوردية على جانب الطريق مبكرًا، وهذا لا يعني بالضرورة عدم وجود أشياء لطيفة وبريئة في حياتنا.

هذا ليس كل شيء، أصبح لدي القدرة في نوم عدد قليل جدًا من الساعات إذا كان هناك أمرًا هامًا ما يستدعي ذلك، اعرف بعض الناس ان كان كوكبنا على وشك الاختفاء لم ولن يستيقظوا، عرفت وتأكدت أن معظم نظرات الإنسان للأمور في بدايتها تكون غالبًا نظرة قاصرة، مهما كان كل من حولك يذكرون لك ذلك، لن تتأكد إلا بنفسك بعد مرور عدّة سنوات.

الآن أشعر بسعادة غامرة لكل ما مررت به من أيام في تلك المزرعة وأحاول جاهدًا تذكّر الذكريات الجميلة بها، وكيف كانت نتائج أعمالي بها، وما تعلمته من تلك الأيام لم أكن لاتعلمه في أي مكان آخر.

هذه بعض الصورة توثيقًا من تلك الأيام التقطتها في آخر 5 سنين واحتفظ بها أحببت مشاركتها معكم

موسم زراعة قصب السكر بعد حصاد القمح
موسم زراعة قصب السكر بعد حصاد القمح
كانون، هذه الأحجار نسميها بهذا الاسم، دورها اعداد فرن أو سخان بدائي جدًا لاعداد الشاي أو تسخين وطهي أي طعام
كانون، هذه الأحجار نسميها بهذا الاسم، دورها اعداد فرن أو سخان بدائي جدًا لاعداد الشاي أو تسخين وطهي أي طعام
حقل من قصب السكر في اخر نقطة من الصورة نقوم باستخدامه ك (زريعة) أي تقاوي نزرع منها مرّة أخرى القصب
حقل من قصب السكر في اخر نقطة من الصورة نقوم باستخدامه ك (زريعة) أي تقاوي نزرع منها مرّة أخرى القصب
بعض العمّال يقومون بتنظيف القصب من الحشائش
بعض العمّال يقومون بتنظيف القصب من الحشائش

أكوام الظلط (الأحجار) التي تظهر في هذه الصورة قمت أنا وأخي بإخراجها من المزرعة وكان عملًا شاقًا جدًا في درجات حرارة مرتفعة للغاية.

هذه صورة أخرى توضّح نتاج مجهود آخر في تنظيف الأرض من هذه الأحجار

 

إذا كنت في حالة من الاحباط في الوقت الحالي بسبب مرورك بأوقاتٍ صعبة، فردّد في ذهنك دائمًا ربما تكون نظرتي قاصرة حاليًا وسوف أدرك جليًا بأن هذه الأوقات الصعبة كان لها جانب هامًا في حياتي سيجعلني أفضل من السابق.

هذا كل شيء.

 

نُشرت بواسطة

MidooDj

من كوكب الصعيد، مدوّن حرّ، مهتم بالتسويق الرقمي، وريادة الأعمال، والعمل عن بُعد، والدراجات الهوائية، عايزه صبر! 

✍️ اكتب تعليق