وصلني منذ أيام تساؤل هام من أحد المتابعين الكرام في تويتر أ. أمير صباغ يقول “سؤال: انا متابع لحضرتك على الدوام، اهتمامك بالرياضة سواء ركوب الدراجة او المشي كيف انعكس على صحتك النفسية بالتحديد ؟ خاصة انه نحن كائنات متقلبة المزاج في هذا الزمن المتسارع”، وفي الحقيقة رأيت أن الرد على سؤال مثل هذا في تويتر مقارنة بكتابة تدوينة تفصيلية سيكون خسارة كبيرة، لذا وعدته بأن أقوم بالإجابة من خلال كتابة تلك التدوينة وهذا هو موضوع اليوم.
في البداية أحب توضيح أنني شخص رياضي في الأساس، فقد مارست الرياضة منذ نعومة أظافري كما يقولون، بداية من السباحة التي فشلت فيها مبكرًا وانتهاءًا بالدراجات الهوائية في تلك الأيام، ولكن أثناء مرحلة المراهقة تقريبًا في عمر الـ ١٨ أو ١٩ عامًا توقّفت تمامًا عن ممارسة الرياضة وانقطعت نهائيًا، ولكن كانت بعد هذه النتائج:
- الجري لمسافات متوسط من ٥ كيلو متر وحتى ١٥ كيلو متر في مدينتي.
- حصولي على الحزام البني في رياضة الكاراتيه والوصول إلى منصب كابتن (بدأت بتدريب المبتدئين)
- تعلّمت مهارات مختلفة مرتبطة بالكاراتيه مثل: التايكوندو والمنشاكو (فرامنش) وأيضًا الجودو والعصا.
- شاركت في بطولات محلية للكاراتيه تعتمد على استعراض المهارات أو حتى نزول جولة (كومتيه) أي لاعب ضد لاعب.
- بجانب ما سبق طبعًا كانت هناك دراجة هوائية لوالدي يذهب بها إلى العمل أحيانًا ولكن تركها لنا وكنت ألهو وألعب بها ليل نهار 😅
ترتب على ما سبق عدّة أمور بعد أن عزفت عن الرياضة وهو (استعدادي التام للعودة) في أي عمر وأي وقت بدون أي حجج، وحاولت مرارًا النزول إلى صالة رياضية للمارسة التمارين العادية (رفع أثقال) و (اطالة عضلات) وكانت النتائج دائمًا محبطة لي فكنت استمر بالكاد في مرات قليلة لشهر أو شهرين وبعدها اترك اشتراكي والتزامي واستمر في مجارة طاحونة الحياة المتسارعة كما ذكر الزميل أمير في سؤاله.
المقدمة السابقة مهمة للإجابة على السؤال الخاص بموضوع التدوينة، منذ ما يقارب الأربع سنوات أصبت باكتئاب حاد بسبب عدّة صدمات اجتماعية ومهنية، وكان قبل هذا الاكتئاب تراودني فكرة اقتناء دراجة هوائية، لما لا فأنا متعلّق بها عاطفيًا منذ الطفولة تقريبًا، رغم الاصابات الشديدة منها والمعارك بيني وبين أخي في عملية تنظيم دور كل شخص في ركوب دراجة الوالد.
أتى الاكتئاب وتعزّزت لدي فكرة اقتناء الدراجة بشكل أكبر عن السابق فكل الحلول التي مارستها في التخلّص منه بائت بالفشل، وقام أصدقائي حين طرحت عليهم الفكرة في تشجيعي على تلك الخطوة وشراء دراجة جديدة لتكون خطوة من خطوات التعافي، لأن حجم الطاقة السلبية الذي كان لدي بحجم الجبال والغضب المتراكم في داخلي كان مرعب لي وأحيانًا كان يخرج جزء طفيف منه على المقربّين وذلك انذار بالخطر الكبير لي بأن أخذ خطوة جادة في التعافي بأي شكل أصبح أمرًا لا يحتمل التأجيل.
وبالفعل قمت بإقتناء أول دراجة هوائية لي في عمر الـ 30 عامًا كما في الصورة (دراجة جبلية)، وبدأت بالتدريج في التمارين، ومن حسن حظي هذه المرّة تعرّفت على كابتن (إيليا) خبرة 15 عامًا في رياضة الدراجة الهوائية ولا يبخل على أي شخص بالمعلومات وتحسين الأداء وأصبحنا بعد ذلك أصدقاءً مقربين الحمدلله.
تأثير تمارين الدراجة الهوائية على حياتي لم أكن أتخيل أن يكون بهذا الحجم الكبير وسوف أسردها في النقاط التالية:
- التخلّص من طاقة الغضب المتراكمة لدي بالتدريج نتيجة الصدمات التي أدّت إلى اصابتي بالاكتئاب لفترة طويلة.
- تحجيم المشاكل اليومية والتخلّص منها في الحال بعد الانتهاء من التمرين شبه أمر التحديث Refresh في الحاسوب.
- انتظام مواعيد الاستيقاظ والنوم والتخلّص بشكل كبير من مشاكل الأرق أو تقلبات مواعيد نومي.
- التركيز أكثر في حياتي الاجتماعية والمهنية، وتنظيم أموري المهنية أكثر فأكثر نتيجة الوقت الذي اقتطعه من يومي للتمرين.
- التعرّف على أشخاص جدد مثل كابتن (إيليا) فهو أكبر مني في العمر بـ ١١ عامًا ومساعدتي بعد أن أصبحنا أصدقاء في التدرّج من مستوى المبتدئين لمستوى الاحترافية.
- التخلّص من الطاقة السلبية المتراكمة نتاج صدمات الطفولة أو حتى المراهقة بالتدريج ومشاركتي إياها مع الكابتن. فالبوح أول طرق العلاج.
- البدء في ممارسة رياضة الجري بالتوازي وبالتدريج مع الدراجة الهوائية بشكل متقطّع وليس دائم.
- شراء دراجة جديدة كما في الصورة وبيع الدراجة القديمة، وشراء خوذة جديدة أيضًا نوع من المكافأة لي بسبب النتائج السابقة.
- شراء حذاء رياضي لمحاولة الاستمرار في رياضة الجري بجانب الدراجة الهوائية.
- التخلّص بشكل تدريجي من طاقة الغضب والطاقة السلبية المتراكمة شيئًا فشيئًا، وعدم الخوض فيها بعد ذلك.
- جسدي أصبح أكثر حيوية عن السابق وخاصة ظهري والعامود الفقري بدأ يتحسّن وضعه لأن عملي بالكامل يكون من خلال الجلوس على مقعد وأمام اللابتوب توب.
- قمت ببناء مجتمع (دراجي قنا – Qena Cyclists) للمساهمة في نشر ثقافة رياضة الدراجات الهوائية في منطقتي والتعرّف على أشخاص جدد رياضين ومهتمين بالدراجات الهوائية.
- تعلّمت كيف أصلح أي مشكلة في الدراجة بنفسي، وبدأت في متابعة قنوات متخصصة في صيانة الدراجة الهوائية.
- تعرّفت على قنوات على يوتيوب خاصة بممارسة الرياضة مثل الدراجة الهوائية والجري والسباحة.
- وضعت أهدافًا جديدة مثل المشاركة في مسابقة (الرجل الحديدي iron man) يومًا ما وما سبق هو بذرة للمشاركة في تلك المسابقة بقي لي ممارسة السباحة باحترافية.
- كنت استمتع بالهواء النظيف في التمارين التي اخرج لها في الصباح الباكر، وهذه الساعات لا تعوّض أبدًا.
- علاقاتي بنفسي وفهمها أصبح أيسر وألطف عن الماضي، ليس ذلك فحسب وانعكس ذلك على علاقاتي بالمقرّبين أيضًا.
- قمت كنوع من المكافأة لنفسي بعد مرور عامين ونصف من ممارسة رياضة الدراجات الهوائية بالتحديث وشراء دراجة جديدة أقوى وأسرع وأكثر متانة الحمدلله.
- أصبحت عادة وتحوّلت إلى عادة يومية مثل الأكل والشرب والعمل وغيرهم.
هذه تقريبًا أهم أو أكثر النقاط التي اتذكرها من تأثير الدراجة الهوائية والتمارين على حياتي، لحظة انتظر ما في الصور حدث بعد منخفضات وانتكاسات عديدة، بعض الأحيان كنت أظل شهرًا كاملًا بدون أي تمارين خاصة حين كان تشتدّ علي درجات الاكتئاب وأثر الصدمات، لكن ما كان يجعلني استمر هو إيماني بنتائج التمارين فقد كانت هي خير علاج لي على التعافي والاستمرار بوتيرة متزنة في تلك الحياة المتسارعة.
⚠️ بعد ما سبق، إذا كنت تحب أن تبدأ في ممارسة تلك الرياضة فقد قمت بكتابة هذه التدوينات للمبتدئين وحتمًا سوف تفيدًك:
بالترتيب من الأعلى للأسفل
- رياضة الدراجات الهوائية ببساطة (مقدمة)
- رياضة الدراجات الهوائية ببساطة: كيف تبدأ وقياسات أساسية (مهم)
- عدّة الأمان اللازمة لرياضة الدراجات الهوائية 🚴♀️🚴♂️ (إلزامي)
- عدّة الطوارئ الأساسية لرياضة الدراجات الهوائية (إلزامي)
- إشاعات ومغالطات رائجة عن رياضة الدراجات الهوائية (مهم)
- اليوم العالمي للدراجة الهوائية 🚴♀️🚴♂️ (مناسبة)
- نصائح وتلميحات للمبتدئين في رياضة الدراجات الهوائية (مهم)
هذا كل شيء.
شكراً على هذه المقالة التفصيلية عن قصتك مع الدراجات الهوائية وأثرها عليك. بدأت ألاحظ في اﻵونة اﻷخيرة اهتمام الناس بالدراجات للرياضة، في السابق كانت وسيلة مواصلات (كُنت أمتلك واحدة أيام الثانوي للذهاب للمدرسة) وكانت هواية إلى سن الشباب، أما اﻵن أصبحت وسيلة رياضة وترفيه وهواية لكل اﻷعمار.
العفو، لا شكر على واجب أخي معتز، نعم كلامك صحيح حتى لدينا في مصر نفس الأمر انتشار للثقافة بشكل تدريجي ومؤخرًا الحكومة أصبحت تشجّع على هذه الرياضة من خلال مبادرات وزارة الشباب والرياضة، الأمر أيضًا مرتبط بالعاطفة وأيام الطفولة فسوف تجد أن أغلب الناس قد قادوا دراجة هوائية في طفولتهم أو حتى مرحلة المراهقة 😀
شكراً صديقي سعدت جداً بإهتمامك وإجابتك التفصيلية، سبب سؤالي لك هو أنني ايضاً عانيت من الاكتئاب الخفيف والقلق المعمم بالإضافة لبعض حالات الهلع التي نتجت من ضغوط العمل وعدم الشعور بالاستقرار بعد خروجي من سوريا.
كنت قد استشرت أطباء نفسيين اغلبهم ذكروا الرياضة كشيء ثانوي لم يتم التركيز عليها بشكل اساسي وانها لها أثر حسب ماقرأت الكثير من المقالات والمعلومات والمصادر التي تتكلم عن الرياضة بشكل اساسي وتأثيرها الكبير الذي يفوق العلاج بالأدوية المضادة للأكتئاب
جوابك كان مهم جداً بالنسبة لي، أتمنى ان نلتقي في بلدكم الجميل مصر وإن أردت أن تزور اسطنبول سأكون مسرور جداً بذلك.
العفو ولا شكر على واجب، شكرًا لك على طرحك السؤال فهو السبب في كتابة هذا السرد البسيط عن تجربتي يا أمير، وأتمنى في يوم من الأيام أن نلتقي سوف يسعدني ذلك كثيرًا 🙏
كل التوفيق لك وانتظر اخبار عنك في البدء في رياضة بانتظام.
جزيت خيراً على المشاركة محمود 💪 نقاط عظيمة
احب ان اضيف لها ان الرياضة تعلمنا الإلتزام والإستمرارية بغض النظر عن الظروف والأحوال.
انا تقريباً مررت بالعملية مثلك إلى حد ما 😅 فانا كنت من صغري اتمرن الكاراتيه حتى حصلت على الحزام البني، لكن من وقت فترة الثانوية العامة توقفت عن اي رياضة.
لكني ومن سنتين عند وصولي لسن الثلاثين بدأت اواظب على رياضة التنس، بجانب التزامي بالتمرين في الفروسية من سن ٢٨ عام تقريباً
ونحن نحتاج حقاً للرياضة في حياتنا، لطول فترة جلوسنا في العمل
شكرًا لك أحمد على مرورك الطيب واضافتك الثرية في سرد تجربتك مع الفروسية والتنس، واتفق معك في أنّ الرياضة تساهم في تعزيز الالتزام لدى الانسان حتى يصبح عادة ناهيك الفوائد النفسية والجسدية.
سعيد بأن تجربتنا متقاربة 😀 صدفة جميلة والله 👌
من أين أشترى الملابس الخاصة بتلك الرياضة خصوصا الشورت الذى به جل, كذالك أفضل حذاء مناسب.
هناك أماكن كثيرة في مصر لشراء الملابس والحذاء المناسب لكن أجل مرحلة الحذاء المناسب (الجذمة اللوك) لمرحلة متقدمة، ش رشدي في القاهرة من أشهر الأماكن الخاصة بمحلات مستلزمات الدراجات الهوائية
وأنصحك تشتري من متجر لصديق لنا اسمه Seven Gear
هذا رابط صفحتهم على فيسبوك اخبرهم أنك من طرف كابتن محمود عبدربه دراجي قنا ولن يقصرو معك في شيء https://www.facebook.com/SevenGearStore/
Pingback: رسالة عابرة إلى م. طارق الموصللي وآخرون - مدونة محمود - شخصى
Pingback: يحتاج الإنسان الوقوع 10,000 مرّة لتحقيق أول خطوة له في الحياة - مدونة محمود