في بداية نشأتنا (مرحلة النمو في الطفولة) يكون خيالنا وعاطفتنا هم المتحكمّين ويؤثر هذا بشكل كبير علينا فيما بعد حتى إكتمال نمو الجهاز العصبي لنا بالكامل (المخّ)، ورويدًا رويدًا نكتشف أنّ العالم الحقيقي (صعب) ولا تخلو حياة أي إنسان من المصاعب أو الأزمات وحتى الصدمات، وبالكاد مع الصبر والتحمّل نتخطى كل ما سبق وتستمر وتيرة الحياة الصعبة التي تحتوي على (لحظات) من السعادة والهدوء، في أوائل أيامنا على هذا الكوكب يحتاج الإنسان الوقوع 10,000 مرّة لتحقيق أول خطوة له مستقلّة على قدميه وناجحة، بمبادرة طيبة من الزميل عامر حريري أشارك في مبادرة (علمتنا الحياة) وهذا موضوع تدوينة اليوم.
قد نعتقد أثناء لحظات (السعادة) أنها دائمة وهذا غير صحيح، يتوجّب على كل فرد منّا التأقلم مع مصاعب وابتلائات السنين التي يعايشها، حتى لا يكون أثر الصدمات مستمر طوال رحلتنا في الدنيا، وهذا ما تعلمته مؤخرًا في آخر 5 سنين من عمري.
بعد 159 يومًا من المحاولات والوقوع أكثر من 10,000 مرّة ودموع لا تُحصى فاز الطفل (روفوس) بالمعركة ليخطوا خطوته الأولى بدون الحاجة إلى يديه – من الوثائقي الرائع (كيف أصبحنا Becoming You 2020) متاح للمشاهدة على Apple TV، وأنصح جدًا بمشاهدته.
عايزة صبر
هذا شعاري في الحياة، والذي أحاول الالتزام به كلما حادات أفكاري عنه ومؤشر الاستعجال والتسرّع أصبح فعاّل، وخاصة في خضم عصر السرعة والتكنولوجيا الحديثة والأجهزة الذكية، تعلّمت الصبر من عملي الشاق في مزرعة والدي وكيف أنّ الحقول والنباتات التي تنمو بها تحتاج إلى شهور حتى نراها لدى بائع الخضروات والفاكهة ناضجة وجاهزة للأكل، وتعلّمت الصبر من السفر من أقصى الجنوب (الصعيد) لأقصى الشمال (العاصمة القاهرة والدلتا) ساعات من السفر بالقطار أو الحافلة مليئة بالمشقّة والإرهاق حتى أصل إلى المنطقة التي أريد الذهاب إليها.
لا تنخدع بظواهر الأمور
حين تتطلع على قصة نجاح أي شخص في العالم مشهور أو حتى مغمور، لا تهتم بالنجاح ذاته ركّز على التحديات التي واجهت كل الأشخاص الذين حققوا نجاح لفت انتباهك وأثار دهشتك، الكواليس حتمًا ستكون مؤلمة في حياة هؤلاء والتحضيات والتنازلات قد يكون ليس لها ثمن يعوضّهم عنها، مرتادي الشبكات الإجتماعية في الغالب يقومون بشكل واعي وغير واعي بتصدير هذه الثقافة عن النجاح بأنه أمرًا سهلًا، قلما ستجد من يكتب عن الكواليس الصعبة لتحقيق ما وصل إليه هؤلاء الناجحون.
كوكتيل ألوان
إذا كنت تعتقد أنّ الحياة عبارة عن لونين (أبيض و أسود) فاسمح لي أن أؤكد لك بإنّ اعتقادك كان خاطئًا، الحياة والبشر ملئين بالأولوان التي قد تناسبنا أو تغضبنا، فكّر جيدًا في نفسك ستجدها أحيانًا تتلوّن وتحيد عن اللون الأبيض وتخطئ وهذا لا بأس به تقبّل أنك غير كامل، يدهشني بعض روّاد الشبكات الإجتماعية الذين يكتبون بمنتهى السهولة مصطلح وجملة (الإنسان السوي) كيف تستطيع أن تحدد معايير الإنسان السوي؟ هل هناك مبادئ وأساسيات معتمدّة حددها البشر أو الدين أو حتى القانون؟ على أي حال لا يوجد إنسان سوي يوجد إنسان متزن أو منضبط وأعلم جيدًا أن هذه النقطة قد تشعرك بالاستياء عزيزي القارئ ولكن ما اقصده ابتعد عن الكمالية والمصطلحات الرنانّة في رحلتك بالحياة، كن بسيطًا متزنًا تتقّبل الاختلافات وتعترف بوجود ألوان مختلفة من صفات البشر.
يموت المعلّم وهو بيتعلّم (مثل شعبي)
نزلت هذه الجملة علي كالصاعقة وقتها حين رددّها لي والدي بسبب أزمة وصدمة مهنية ونفسية كنت أمرّ بها، وشعرت بغضب شديد منه لأنني كنت انتظر منه كلمات تحتوي على (جبر لخاطري) ودعمًا نفسيًا في هذه الظروف الصعبة، بعد مرور عدّة سنوات أصبحت هذه قاعدة لدي وتفهّمت جيدًا لماذا رددّ علي والدي هذه الجملة، التعلّم من الدروس والمنخفضات في الحياة لا ولن ينتهي أبدًا، تطوير المهارات المهنية وحتى الاجتماعية أمرًا هامًا لا ينتهي بكبر العمر أو بالحصول على مراتب عالية في العمل والتعليم وغيره، الاستمرار في التعلّم من سنن الحياة.
التغاضي
الفقد
الأنانية
تغاضى دائمًا عن صغائر الأمور التي لا تحلو لك ولا تتفهمها، إضاعة الوقت على معارك خاسرة من الطرفين ستندم عليها لاحقًا، تغاضى أحيانًا لتسبح المراكب مع الأمواج وتسير الدفّة في حياتك بنجاح، حين كنت لا اتغاضى كنت أضيّع طاقة ومجهودًا أنا أولى بهم، تعلّمت هذا متأخرًا لكن تعلمته وهذا أفضل من لا شيء.
في آخر 15 عامًا من حياتي فقدت أشخاصًا توفاهم الله، أو أشخاص قطعنا علاقتنا ببعض كأصدقاء، تعلّمت مما سبق تفعيل نسبة 1% من عقلي أن يتقبّل هذا الفقد باختلاف نوعه، أصبحت لدي إمكانية في عدم الشعور بالصدمة إذا حدث فقد لشخص عزيز، نعم أحزن لكن الصدمة ستكون صغيرة حتى لا اسقط في فخوخ الاكتئاب والاضطرابات النفسية.
تعلّم أن تقول ( لا )، الإنانية المتزنة في هذا الزمن لا غنى عنها خاصة في مجتمعاتنا التي نشأنا فيها على قول (حاضر و نعم) فقط وحين تقول (لا) أو غير ذلك سوف تأخذ فوق دماغك (بالصرماية) على رأي أخواتنا من بلاد الشام، قول لا يساعدك في عدم الشعور بالضغط أو عمل شيء لا تحب أن تقوم به، قول لا يجعلك تنظّم وترتّب أولوياتك حسب أهميتها، هذه أنانية محمودة وتحتاج مناّ إلى تطبيقها باستمرار مع تقديم اعتذار ودي بعد قول كلمة لا، لتلطيف الجو وعلى من أمامك يتقبّل ذلك.
الاستمرارية في السعي والتوّقف عن المظلوميات
اتذكّر قبل 4 سنوات حين اقتنيت دراجة هوائية (جبلية) لأوّل مرة والنزول بها لممارسة التمارين والشعور الدائم بالضعف بسبب قلة المسافة التي اقطعها، رغم ذلك اصريّت على الاستمرار، رغم إن وزن الدراجة ثقيل نظرًا لطبيعة نوعها والخامات المصنّعة منها وهذه تعد من المظلوميات وأمرًا غير عادل، لم اتخذ هذه حجّة قطعت بتلك الدراجة الصعبة مسافة من محافظة لمحافظة أخرى (قنا – الأقصر) وبعد مرور سنة ونصف تقريبًا اقتنيت دراجة (طريق) جديدة خفيفة في الوزن ولأول مرّة في حياتي احقق أرقامًا لم احلم بها ومازلت أمارس هذه التمارين باستمرار بدون توّقف دائم، ولا بأس بتوقّف مؤقت والعودة مرّة أخرى من جديد.
قارن نفسك بنفسك
هذه أكبر فخوخ العصر الحديث، ووقعت فيه لسنوات طويلة سواء بسبب قلة وعي الأهل أو حتى قلة وعي أنا بعد أن نضجت فكريًا، مقارنة نفسي بالآخرين، ماذا لو عكسنا هذه النظرية؟
حين أقارن نفسي حاليًا بحالي قبل عدّة أعوام أجد أمورًا جيدّة حقًا قمت بتنفيذها، وخطوات مستمرّة لأشياء غيرتني للأفضل، افرح بنجاح الآخرين حولي واغير منهم في الخير فقط، من المستحيل حاليًا أن أقارن نفسي بزميل عمل لي أو حتى صديق وقريب، لماذا لأن المقارنة هنا لا يحتسّب فيها العوامل المتوفرة لكل منّا واختلافها إذن ستكون ليست قياسًا وغير منطقية مقارنة أنفسنا بالآخرين، باختصار قارن نفسك قبل عامًا كيف كنت وما أصبحت عليه الآن وما حققته.
بالمناسبة الزميل يونس شارك في هذه المبادرة وأنصحكم بالاطلاع على نصائحه القيمّة بعنوان: جُملة الكدمات التي تلقيتها من مُعلّمة جودو اسمها الحياة والتي تُلقّب أحيانًا بالدنيا
هذا كل شيء.
والله أنا حابب أشكر الزميل عامر على المبادرة اللي خلتنا نشوف النصائح والدروس القيمة دي منك ومن يونس.
دروسك اللي اتعلمتها دي كلها الواحد بيتعلمها دلوقتي وبيقع فيها ولسه بيتعلم منها.
سلمت يمناك.
شكرًا من القلب بكل تأكيد للزميل عامر على هذه المبادرة الطيبة، ولمشاركة الزميل المتألق يونس في المبادرة بنصائح ذهيبة.
لا بأس في الوقوع في الأخطاء أكثر من مرّة المهم تعلّم دروس منها حتى نتجنّب تكرارها رويدًا رويدًا مع الأيام، الفكرة أننا لا نتعلّم بسهولة كما يدعّي البعض التعلّم صعب ونقدّم مقابله الغالي والنفيس لنتقن الدرس.
كل التوفيق لك في حياتك وانتظر مشاركتك أيضًا
العفو عزيزي محمود .. الشكر ممتد لك أيضاً على مشاركتك بها .. قرأتها وأعجبتني جداً وبخاصة الجزء المتعلق بتجاهل الرغبة في الشعور بالمظلومية وذلك المتعلق بمقارنة نفسك مع نفسك وليس مع الآخرين .. نصيحتين ممتازتين حقاً وتوفران الكثير من الجهد لاستهلاكه في أمور مجدية .
العفو أخي هشام .. ننتظر منك مشاركتك أنت أيضاً في المبادرة 🙂