قبل ٣ شهور من الآن تقريبًا، واثناء التمشية مع صديقي في شوارع البلدة، صادقنا رجل من كبار السنّ يطلب المساعدة في إن نقوم بتجاوز السيارات في الشارع ليصل بأمان، ولبينا الطلب بكل حب وودّ واتضح بعد ان قام بشكرنا انه ذاهب في ذات الطريق الذي نتمشّى فيه، فعرضنا عليه ان نمشي معه حتى نوصله إلى المكان الذي يريده، فنظره ضعيف للغاية بسبب عوامل كبير العمر، هذه التدوينة عن حين يشتعل الرأس شيبا.
في البداية طرح علينا اسئلة عن اسمائنا وعملنا ومن أي بلد أصولنا وغيره، ورحبنا بالإجابة على كل تلك الاسئلة وفي المقابل عرفنّا هو على نفسه: مدّرس سابق، ولديه ابن يعمل في الجيش كظابط ويعيش لوحده حاليًا بسبب استقرار ابنه في العاصمة القاهرة لطبيعة عمله.
استغليت الفرصة وبدأت اطرح عليه اسئلة تحتوي على طلب النصح أو الحكمة، وقد كان، فكانت ابرز نصيحة لنا لا تغترب خارج بلدك، فهمت لاحقًا انه تغرّب لأكثر من 20 سنة في دولة خليجية، قال لنا لن يعوّضك أي مال عن ثمن الغربة واقسم انه حين وصل مصر في اخر سفرية له سجد وقام بتقبيل الأرض.
اثناء حديثنا طلب منّا أرقام هواتفنا وكان واضحًا في طلبه أن نظّل على تواصل، وبعود باللقاء قريبًا في منزله وأن نشرب الشاي، في الحقيقة هذا الطلب في بلادنا غريب بعض الشيء لتحفظات واعتبارات مختلفة و متخّلفة اعتقد، علي أي حال أنا رحبّت جدًا فوجدت ابتسامة بريئة على وجهه واعطاني ورقة وقلم لأنه بالكاد يرى شاشة هاتفه وأوصاني بأن اكتب الرقم بخطّ كبير، وقام صديقي بذلك أيضًا، مع كتابة اسمائنا على هذه الورقة.
اليوم فوجئت برقم غريب يتصل بي:
أنا: ألو، نعم أ. محمود، أيوة معاك من معي؟
هو: أنا أ. عزت، اللي قابلت حضرتك عند كذا وكذا يوم كذا مع زميلك الأستاذ ….
أنا: خلال أقل من ٥ ثواني نعم نعم أهلًا أ. عزت أهلًا بك يا حج كيف حالك وكيف أخبارك؟
هو: الحمدلله بخير، مش اتفقنا يكون في بينا تواصل وأن لا نقطع السؤال؟
أنا: صمت لثواني، ثم: سامحني يا حج حقك علي، لكن في البال والله لسه جايبين في سيرتك أنا وزميلي بكل خير.
هو: طيب أنا بتصل على زميلك أ. كذا ولكن لا يقوم بالرد (صديقي للاسق كتب له رقم خطأ بسبب تخوفّه من طريقة طلبه)
أنا: معلش يا حج هو بيخرج من الشغل على العصر فأكيد بيكون نايم في الوقت ده لكن هبلغه وإن شاء الله احنا هنتصل بحضرتك ولازم نقابلك.
قام بعدها بالإطمئنان علي وعلى أسرتي وسألني هل أقوم بتقبل يد والدي وأكدت عليه أنني افعل ذلك، رغم استغرابي للسؤال ولكن أنا احب كبار السن (عودة إلى الورقة والقلم) ولا استغرب منهم طرح أي سؤال أو موضوع، انهينا المكالمة وكاد قلبي أن ينفطر من الاحراج والحزن، كيف سولت لي نفسي أنا وصديقي أن نتجاهل هذا الرجل أو حتى ننسى طلبه، ربما حقًا يشعر بالوحدة القاتلة، ربما في حاجة إلى وجود شباب حوله يذكرونه بأبنه أو حتى يعوضوه عن بُعد ابنه عنه، لا اعرف لكن حاليًا احسّ بشعور سيء جدًا، هاتفت صديقي منذ قليل واتفقنا على أن نتصل بيه وعلى أقل تقدير ان نقابله هذا الأسبوع… ونشرب الشاي معه
هذا كل شيء.
حبيييييييييييييييت🥰
اثرت فيني هذه التدوينة جدا، طريقة السرد رائعة جداً